أرشيف

الدكتور محمد حسين الصافي:عند الانهيار سيتغير وجه العالم وتصبح كل الأنظمة في خطر

تجتاح العالم أزمة مالية كبيرة بدأت في الولايات المتحدة ولم تتوقف عندها وقرعت أجراس الخطر لما قد يحدث جراء هذه الأزمة التي تنذر بما هو أشد وبعواقب لا يمكن توقعها.. في هذا الحوار يتحدث الدكتور/ محمد حسين الصافي، أستاذ تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب المساعد بجامعة صنعاء عن أسباب هذه الأزمة وأبعادها وما يمكن أن تؤول إليه مستقبلاً.. أصدر الدكتور الصافي كتاباً بعنوان "انهيار الرأسمالية – الفوضى القادمة" عام 2004م توقع من خلاله ما يحدث الآن في البورصات والبنوك من أزمة مالية.. في هذا الحوار يتحدث عن هذا الكتاب وعن الآراء التي استند إليها في ظل الأزمة العالمية الحالية:

حاوره : أنور نعمان راجح- [email protected]

ما هي المؤشرات التي استندت عليها عند تأليفك كتاب انهيار الرأسمالية الفوضى القادمة؟

– المؤشرات كثيرة فهناك قراءات تاريخية في عمر الحضارة الرأسمالية وقراءات اقتصادية وقراءات دينية.

ما هي هذه القراءات؟

– أولاً القراءة التاريخية هي أن هذه الحضارة وصلت إلى آخر عمرها التاريخي. عمرها يقرب من 500 عام؛ بدأت من الاكتشافات الجغرافية وحركة الاستعمار ونهب ثروات العالم الآخر ومن خلال هذا النهب تطورت العملية إلى الرأسمالية والنهضة الصناعية ومن ثم النظام الرأسمالي بالشكل الحالي.. بعد هذه الأطوار يصل هذا النظام إلى آخر أطواره وهذا ليس كلامي أنا؛ بل هو كلام الكثير من المؤرخين الغربيين وعلى رأسهم المؤرخ الألماني "شبنجلر" الذي يقول في كتابه "انحطاط الغرب" أن هذه الحضارة وصلت إلى آخر أطوارها ثم جاء المؤرخ الإنجليزي صاحب نظرية التحدي والاستجابة ليرد عليه من خلال نظرية التحدي والاستجابة لكنه من خلال هذه النظرية تنبأ أيضاً بأن هذه الحضارة قد وصلت إلى آخر مراحلها التاريخية فعمر الحضارة مثل عمر الإنسان يبدأ بالطفولة ثم مرحلة الشباب والقوة ثم مرحلة الشيخوخة ثم الموت فأية قراءة علمية لمعطيات هذه الحضارة من ناحية تاريخية وسياسية ودينية تجد هذا..

ثانياً : القراءة الاقتصادية عندما تطور النظام الرأسمالي ووصل إلى ما وصل إليه حالياً أخذ أطواراً متعددة أيضاً ولها نهاية بكل تأكيد.

كيف نفهم هذه القراءة في ظل ما هو حاصل الآن؟

– أعطيك مثال لتتضح الصورة وهذا المثال لمن لا يفهم لغة البورصات والأسهم فصاحب المصنع ينزل ملكيته للمصنع كأسهم فمثلاً تصبح قيمة السهم واحد دولار فكل واحد يعطي لهذا السهم قيمة تزيد وتنقص حسب تقدير الشخص فيأخذ السهم أحياناً قيمة أكبر من قيمته الحقيقية وعلى هذا الأساس يقول "موريس اللي" إلحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد أن قيمة السهم بهذه الطريقة في البورصة أكثر من قيمته الفعلية أو الحقيقية بأربعين ضعفاً.. هذه القيمة المرتفعة قيمة وهمية نتيجة المضاربة وهذا ما يسمى بالاقتصاد الورقي بمعنى اقتصاد على ورق وهذا يحدث بضمانة البنوك فالشخص أو التاجر الذي يقوم بعملية المضاربة يعطيه البنك نتيجة تعامله معه تسهيلات أو ضمانات تتراوح أحياناً بين 10 % – 15 % فيدخل عملية المضاربة والآن عندما حصلت الأزمة كل شخص يريد أن يتخلص من الأسهم فحصلت أزمة سيولة لأن هذا الشخص يريد أن يبيع ما لديه من أسهم والبنك الضامن ملزم بأن يدفع له فلوسه فحدثت أزمة السيولة بشكل كبير لأن البنوك لا تستطيع أن تدفع لأن القيم غير حقيقية أصلاً..

هناك حديث عن أزمة عقارات أيضاً.. ما هي هذه الأزمة؟

– الذي فجر الأزمة سندات الدين العقاري في أمريكا وفي أمريكا أي شخص ليس لديه عمل أو دخله منخفض وليس لديه سكن مثلاً يذهب إلى البنك ليأخذ قرض فيعطوه لكن بفائدة مرتفعة بضمانة العقار فالبنك المحلي الذي أعطاه القرض يقوم ببيع هذا الدين في سوق الأسهم والمشتري يرفع الفائدة إلى نسبة أكبر فلا يستطيع المستفيد أن يسدد ولا البنك يستطيع أن يسترد المبالغ فيصبح هذا القرض بمثابة الديون المعدومة وبمئات المليارات والمسألة بدأت من سندات الدين العقاري ولأن النظام مترابط فكلما انهار بنك ينهار البنك المرتبط به وهكذا.

ومن المهم ملاحظة أكبر تحول في تاريخ الرأسمالية حيث تحولت الدولة التي كانت تشجع حرية السوق إلى دولة تتدخل في حرية السوق.

هل هناك تشابه بين سقوط الاتحاد السوفيتي وما يحدث الآن من أزمة مالية؟

– الملاحظة سليمة فالاتحاد السوفيتي سقط بسبب وضعه الاقتصادي وما يحدث الآن هو انهيار في سوق الأسهم وهذا يؤدي إلى انهيار البنوك وإذا انهارت البنوك انتهت الحضارة ومسألة انهيار الرأسمالية تحدث بها الكثير وفي مقدمتهم عالم الاقتصاد الأمريكي "رادي باترا" عندما قال بأن حجم الكتلة النقدية يصل إلى أكبر مستوى كل 30 سنة فيصل التضخم إلى أعلى مستوياته كل ثلاثين سنة فاكتشف حركة دورية منتظمة لهذه المسألة فقال إذا استمر الحال هذا سوف نصل إلى الانهيار.

هل هذا ما يحدث الآن بالضبط؟

– الكتلة المالية التي تدور في السوق تتناقص فالولايات المتحدة تضطر لأن تطبع عملة للإبقاء على هذه الكتلة فيبقى الرقم لكن قيمته الفعلية أقل وهذا التضخم يقود إلى الفقر والبطالة وتحدث كل المصائب والمشاكل في الدولة التي تعاني من مشكلة التضخم. ولك أن تلاحظ حركة الودائع في البنوك سترى أن حجم الودائع يزداد سنوياً ، من أين يأتي؟ ما يحدث أنهم يحولوا الأموال من الاقتصاد الحقيقي إلى الاقتصاد الورقي وهذا على حساب الاقتصاد الحقيقي الذي هو اقتصاد العمل والإنتاج.

ماذا نسمي هذا الوضع؟

– هذا هو الربا بعينه وهذا يفرز واقعاً جديداً فالغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً وهم الأكثرية ومن أهم مؤشرات السقوط تلاشي الطبقة الوسطى وعند ذلك تكون هذه الحضارة وصلت إلى المرحلة الأخيرة وهذا هو الحاصل الآن بوضوح.

أحد الخبراء وصف خطة بوش للإنقاذ بأنها كمن يعطي دماً لشخص يعاني من نزيف داخلي.. ما رأيك بهذا التوصيف؟

– هذا التوصيف سليم ودعني أقول لك بأن حكومة بوش مدينة بقرابة عشرة ترليون دولار وهذه الحكومة تحقق عجزاً سنوياً قدره ترليون دولار ، فهذه الحكومة المثقلة بالديون تقول بأنها ستدعم البنوك.. كيف!

سعر الدولار لم يتغير في الأسواق العالمية.. لماذا؟

– حدث تغير في سعر الدولار وقلَّت قيمته لكن لم نشعر بذلك لأن عملاتنا المحلية تقل قيمتها أيضاً لكن نعرف انخفاض قيمة الدولار من خلال أسعار النفط والعملية واضحة.

دكتور محمد قلت بأن المسألة خطيرة للغاية.. ما مدى هذه الخطورة؟

– معروف تاريخياً أن الأزمات الاقتصادية تؤدي إلى تغيرات سياسية فإذا حصلت انهيارات اقتصادية كبيرة فمعنى هذا أن كل الأنظمة السياسية سوف تسقط وكذلك الأنظمة الاجتماعية تصبح مهددة بسبب الفقر والبطالة وعندما تسقط الدولة يصبح المجتمع كله مهدد.

هل تعتقد أن الولايات المتحدة سوف تستخدم ورقة القوة العسكرية في ظل هذه الأزمة للتغطية عليها أو لتجاوزها؟

– القوة العسكرية الأمريكية أصبحت عبئاً على الاقتصاد الأمريكي بمعنى مثل الطفل يحمل على كتفه سلاح بازوكة أو مدفع فالجسم جسم طفل لا يحتمل ولذلك فالقوة العسكرية بهذه الضخامة لا داعي لها وواحد من أسباب الدين العام هي القوة العسكرية ، فماذا تعمل القوة العسكرية في انهيار الأسهم والبنوك؟

هل يواجه اليورو نفس المشكلة؟

– نعم النظام الرأسمالي مرتبط ببعض إلا أن الأزمة العقارية في أوربا ليست بالصورة التي هي عليها في الولايات المتحدة فإذا استطاعوا في أوربا تدارك الأمر سوف يكون هذا عاملاً مساعداً للولايات المتحدة.

من هي الدول التي هي بمنأى عن هذه الأزمة؟

– لا تستغرب إذا قلت لك بأنها الدول التي ليس عندها بورصات والحمد لله ما عندناش بورصات في اليمن ، هذا من ناحية ومن ناحية فإن الدول التي يغلب فيها الاقتصاد الزراعي على الاقتصاد الصناعي وبعد الأزمة سوف ينشط الاقتصاد الزراعي والناس الذين عندهم زراعة سيكون حالهم أفضل بلا شك.

ماذا عن الدول النفطية؟

– الدول النفطية تعتبر صناعية فإذا توقف العالم الصناعي لمن ستبيع النفط.

هناك من يقول بأن دول النفط العربي سوف تجد نفسها مضطرة لتغطية العجز في الولايات المتحدة، هل هذا وارد؟

– هذا القول من قبيل تحصيل حاصل لأن معظم الثروات الحقيقية لهذه الدول مودعة في السوق الأمريكية.. دفعوا أم لم يدفعوا لن يجدوا شيئاً ، فعندما يحدث انهيار بنكي فكل الذين لهم أرصدة من الدول ومن التجار العرب سوف تذهب أرصدتهم أدراج الرياح ولعلمك النفط الذي تصدره الدول العربية لا تستلم ثمنه نقداً بل إشعاراً "أضفنا إلى حسابكم كذا" بمعنى أنها تستلم رقماً على ورق.

يعنى لا يوجد ما يضمن حقوق الناس؟

– في أوربا كانت الحكومات تضمن حقوق المودعين إلى عشرين ألف يورو بعد هذه الأزمة ارتفع الضمان إلى خمسين ألف يورو وأكثر من هذا الرقم لا شيء مضمون.

ماذا عن أوضاعنا في اليمن في ظل هذه الأزمة؟

– نحن نحمد الله أنه لا توجد بورصات عندنا وبالتالي تجنبنا مسألة انهيارات البورصات وكذلك البنوك غير متورطة بقروض كما هو الحال في اوروبا وامريكا، لكن لو حدث انهيار بنكي عالمي فلن نكون بمنأى عن المصيبة ولهذا نحث الحكومة لتشكيل لجنة طوارئ لها صلاحيات لاتخاذ اجراءات لحماية البلد من هذا الإعصار ثم وهذا مهم يجب الاهتمام بمسألة الاكتفاء الذاتي من الغذاء لأنه لا يمكن أن نستورد ولن نستطيع استيراد القمح لو حصل انهيار بنكي عالمي وفقد الدولار قيمته والدول يجب أن يكون لديها الاحتياطي الإستراتيجي من الغذاء بحيث تقلل أثر الصدمات إلى أقل مستوى ثم يجب أن تتجه الجهود نحو الإنتاج الزراعي والأخوة في الزراعة عليهم أن يفكروا بالحلول اللازمة في ظل الواقع الحالي فإذا حصلت أزمة اقتصادية كبيرة فإن الأمن والسلامة في خطر حقيقي والأمن الحقيقي هو الأمن الاقتصادي والغذائي والحلول الحقيقية هي حلول اقتصادية واجتماعية..

ماذا بعد الانهيار لو حدث بالفعل؟

– سوف يتغير وجه الحضارة وأعطيك مثالاً كانت الحضارة الرومانية تحكم العالم وبين ليلة وضحاها أصبح الرومان عبيداً عند القبائل الجرمنية.

ذكرت القراءة التاريخية والقراءة الاقتصادية فماذا عن القراءة الدينية؟

– كل الأديان السماوية تحرم الربا اليهودية والمسيحية والإسلام، ومن يأكل الربا حاله كما جاء في القرآن الكريم "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا.." البقرة 275

فهذه الحضارة ليس لها مثيل في التاريخ ، ثقبت الأوزون وقننت للشذوذ الجنسي وقتل الأجنة في بطون أمهاتهم وفي زمن هذه الحضارة ارتفعت حرارة كوكب الأرض وبلغ الانحطاط درجة لم يبلغها في حضارة من قبل هذه الحضارة تقتل البحار والغابات بسبب الجشع.

أخيراً د. محمد هل العالم أفضل بعد هذه الأزمة؟

– أود أن أقول لك بأننا ندرس التاريخ حتى نفهم الحاضر ونستشف المستقبل وللإجابة عن السؤال أقول إلى أين ستصل الأزمة أولاً.. هناك احتمالان واردان الاحتمال الأول إذا استطاع الغرب تجاوز الأزمة فهذا إعلان نهاية سيطرة الغرب الرأسمالي وبالتالي لن تبقى الولايات المتحدة مهيمنة على العالم مالياً والمتوقع بروز الصين ودول أخرى كقوة اقتصادية كما توقع جارودي.. الاحتمال الثاني أن يحدث انهيار كامل وهذا معناه أن الأوضاع ستصبح أسوأ والأرض بكف الرحمن وحده وهو العالم بما سيحدث..

…………….

عن صحيفة المستقلة

زر الذهاب إلى الأعلى